وشل من قنينة بشائر
على عتبة الشعر وقفت منذ نعومة أظافرها ، كانت تحمله كدمية وتفتر به على بيوت جيرانها كالخبز ، طفلة كانت تعشق الشعر والغناء والموسيقى ، لا لشيء سوى إنها شاعرة حقيقية منذ الرمق الأول ، لست أدري هل كانت أمها ترضعها شعراً ، ربما كانت تلف الشعر عليها غماطاً وتنشره على ملامحها سماء ، هنا ربما نستحضر ذلك المكان الذي اختطفت من جدرانه بشائر لمحاتها الشعرية الأولى ، ربما كانت تمشي حافية على رمل ذلك المكان
، ربما كانت تؤمن إن الطين سيخلق طيشها الشعري ، وإنها سترسم من الطين عالماً من البهاء ، الدهاليز المعتمة لم تكن في ذاكرتها مرمدة بكحل الظلام ، كانت مشرقة وفارهة وعبقرية ، والأزقة لم تكن مكاناً ضيقاً يحبس الحياة بين شرايينها ، بل كان نهراً منهمراً بتموجات الحياة ، كل شيء كان يمثل بعداً وردياً في خارطة رأس بشائر الطفلة ، الحارة .. الجار .. الفريج .. الدروازات .. الروشن .. الدهليز .. الناس المشحونة قلوبها برائحة النخيل !!
لم تكن شاعرتنا تلف بخنقها على غير حزمة من السنابل والرياحين ونبات النخل الهجري ، لم تكن تضم يديها الصغيرتين على غير الحب والماء ، على غير التين والرمان والعنب والتمر .
صبية كانت تغزل نبض الحقل في مطويتها الصغيرة / الكبيرة ، كانت تشحن زوادتها أيام القرقيعان والناصفة بأغان ٍ غير تلك التي يرددها كل الصبية ، كانت تغني بلون مختلف وهي تداعب جدائلها
وتعقدها على ناصية القمر !!
حينها ربما كانت تعرف نكهة الحب ، ربما كانت ترصد كل ما يدور حولها من مراسيل العشاق ، لذلك كانت تقرأ ديواناً فاتحاً باعيه لتلك الصبية المتلفتة ، كانت تقرأ وهي جالسة تمشط شعر المساء تقرأ خطوط العرق في جبهة الفلاح ، ولظى التعب في عيون القادمين من البحر ، كانت تقرأ في أطراف عباءات نساء حيها الملونة بالطين ورائحة القهوة والهيل والزنجبيل ملحمة وفاء .. لست أدري غير إني مازلت ألمح وأنا أقرأ هذه الشاعرة الهجرية إن ثمة صخب خلق في عمقها عائلة من البراكين ، ألمح إن ثمة شاعرة لم تلث بعد كامل مشوارها على عنقها كشال ، لم تزرع كامل أوركيداتها في مسافات سلسالها !!
عبارة كانت تمر من نفق سمعي وتحار بين المطرقة والسندان ربما لأنك قلما تسمعها من شاعر أو شاعرة ، لأن الشعراء يأبون أن يصبغ شعرهم الغبار ، وتعرق مساحات ثيابهم جماهير الرمل المبلل بالماء : مازلت طفلة ً وسأشق طريقي بنفسي إلى وادي الشعر المرعب !! ساكون سعيدة بكل ما سوف يقال عن تجربتي الشعرية .
شاعرة تمردت على ذاتها أولاً تمرداً عاقلاً ينبش الزوايا الغافية في روحها لينبت بين جوانبها الحبق ، أحدثت إرباكاً داخل أسوار كيانها وأزعجت الأوردة التي تنام مبكراً كانت تريد أن تعلمها السهر !!
شاعرة كبشائر وجزيرة مرجان تتمد مخاصرة ثورتها على كل الألوان الباهتة حولها ، كان يزعجها أن تنكسر جرار الماء وأن تذوي التوتة التي كانت تحني بها أطراف أناملها ، وأن يدفن الرمل تحت أقدام الاسفلت ، وأن ينام خشب الصندل على أذرعة الشوارع ، وأن لا يعبر الضوء من تلك الدرايش التي كانت تحتضن أغصان عباد الشمس !!
حكاية هي بشائر في رضاها وفي غضبها ، في انطلاقها وفي عزلتها ، في هدأتها وفي تمردها ، في قربها وفي بعدها ، لم تهادن الحياة والشعر أبداً ، لم تصالح الأبجدية ، لم تعترف بالسقوف ، ولم تقنع بالمياه الراكدة ، ولا بالأبواب المغلقة !!
من هنا كانت تتقن عجن الشعر وفرده على تاوة القلق والنار ، كان الشعر يشكو من يديها الناعمتين ، تحزه كما يحز السوار معصمها ، وتطويه عندما تتيقن إنه بلغ حد النضج النضج ، ثم لا تهدأ حتى تنفض دخان الحروف عن ما شمرته من أطراف فستانها عن ساعديها ، أف للشعر كم أرهقها وأرهقته ، كم عاندته وعاندها ، لكنها كانت تأبى إلا أن تفل عقده وتضع رأسها على وسادة الليل وقد زرع الشعر الصداع في دماغها !!
لن أتسربل بشيء من كبرياء العتمة ولا بمجنون ليلى ولابشعرها الشعبي ولا بما تبقى في كأسها من وشل الراوي والراوية ، ولن أجرح شفاهي بصبابة القدح الذي انهرق حينما جست شرايينه بشائر !!
باختصار عذبة هي بشائر ، مفرطة في وشم الحلم بنجوم السحر ، مسراها لا يزحمه الدجى ، وضعنها لا تقتحمه قيلولة الظهيرة ، هي والشعر كهاجر واسماعيل ، يظمأ فتكشف عن ساقيها لتنبت في رموش الهجير الماء ، يبكي فتفتت المساء في فنجانها وتمزجه بالسحابات وتطعمه إياه ، وحينما تشعر بالغربة بالوحدة بالوحشة تمد ماتبقى من سواد عبائتها لتناغي طفلها الشعر ، تهدهده ليغفو بين ذراعيها ملء جفنيه ، وحينما يرتعش من البرد تفرد جدائلها وتلحفه بها ، هي هكذا يبدأ تبتلها حينما ينطفي ظمأ الشعر !!
صدقوني بشائر وطن من الحب الذي يسكنه ملاك اسمه إنسان ، ربما تفقدوا كل الاكسسوارات التي تعنتني بها أي أنثى عند بشائر لكن لن تفقدوا القرط والسلسال والسوار والخلخال لن تفقدوا الذهب النقي والبهاء ، لن تجدوا في شعرها غير مشوارها المزركش بالياسمينات !!
هي لست أدري .. لست أدري .. لست أدري ، بعبقرية حرفها لست أدري !! غير إنها قصيدة يمامات وأنشودة حمائم وملحمة شياهين ، هي حزن الخنساء وفرح ولادة وحبر نازك الملائكة والسر الذي تنطوي عليه مي زيادة !!
حينما تقف على جسر الفتنة لن يخطر ببالها غير عيون المها بين الرصافة والجسر ، وحينما تودع الرمل الذي درجت عليها لن تقتحمها غير وتلفت عيني ومذ خفيت عني الديار ، وحينما تصهر الليل في أقداحها لن ينادمها غير ليلتي هذه عروس من الزنج ، وحينما يباغتها الشوق لن يعزيها سوى لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه !!
بشائر باختصار شاعرة تكتب بطيف ، مخيالها قوس قزح الذي لاتنتهي به حزم الألوان ، ثقافتها مجرة ولود مازالت تثقل كاهل الفضاء بكواكب جديدة !!
اقرؤوا هذه الصحراء التي لم تصحُ إلا وبدويها الذي أرهقته الشمس قد توسد تلة رمل ونام ، نام لتفرش عليه الريح غطاء أبيض من الهجير !! لكنها لم تلتفت إليه كي لايصهرها الحزن !!
اقرؤوا بشائر لبشائر للشعر فربما تعيد إليكم كثيراً من الأشياء التي نسيتموها هناك ، ربما تعيد إليكم ما سقط من متاعكم سهواً بالطريق !! ربما تنتظركم عند المرسى وتوشحكم بالكادي ، ربما تطوق حواشيكم بالعطر !!
كونوا مع بشائر هنا فحتماً سيبتسم المهرجان ، وسترقص العرافات ، وستطوف بين أياديكم ألف قارئة فنجان ..
كونوا مع بشائر فهي تعرف كيف تقنع السارية أن تعانق المجداف ، وأن تقنع المد كيف يصالح الجزر ، اذهبوا معها بعيداً بعيداً لأنها ستأخذ سفائنكم إلى جزيرة اسمها " الأمان "
صدقوني لن تخذلكم بشائر ، لن تعودوا منها بغير الرضا ، أغضبوها أغضبوا هذه اللبؤة لتبوح لكم بالحب والحنان ، قولوا لها كيف لبلقيس أن تكسر المرايا وتجرح بنان سليمان ؟؟ قولوا لها كيف لشيرين أن ترثي فرهاد ؟؟ كيف لفرجين أن تقرأ الحزن في عيني نابليون ؟؟
كونوا مع بشائر ، ففي دفاترها ما يغري بالحبر !! كونوا هنا كونوا هناك !!
وسيكون حوارنا مع شاعرتنا حول:
1- دور المرأة في الثقافة.
2- دور المرأة في الأندية الأدبية في المملكة، وأنشطة اللجان النسائية فيه.
3- دور المرأة السعودية والأحسائية من خلال المناشط الثقافية والأمسيات الأدبية داخل المملكة وخارجها.
4- تجربة الشاعرة الثقافية والأدبية من البدايات إلى القمة.
تنويه ستبدأ ردود الشاعرة من يوم الاثنين من الأسبوع القادم.
من حق الشاعرة عدم الرد على بعض الأسئلة وحذف السؤال الذي لا ترتضي وجوده من أسئلة المحاورين