“ما رأيك في مسألة الاجماع كمصدر من مصادر التشريع في الاسلام ؟
ألا تعتقد انها سلاح مخيف لكثير من العلماء الذين ربما توصلوا لقراءة جديدة لنص من نصوص الدين ؟ كما حدث مع السيد محمد حسين فضل الله “.
الجواب:
الإجماع كمصدر من مصارد التشريع لا أحد يستطيع إنكاره، لأن الإجماع هو دليل لبي على صدور الحكم من المعصوم.
ولكن لا بد من ملاحظة مهمة في المقام وهي:
الإجماع على قسمين
1-الإجماع اللبي، وهو الإجماع الذي يكشف لنا عن حكم المعصوم، من دون أن يعتمد على نص روائي موجود في الروايات، بحيث لو نظرنا وتأملنا في الإجماع لوجدناه بأنه لم يكن لولا القطع بصدور الحكم من المعصوم، وبمعنى أدق أن هذه الإجماع يكشف لنا صدور الحكم من المعصوم من دون أن يكون معتمداً على فهم خاص لنص روائي في المقام.
وهذا الإجماع هو الذي يعبرون عنه بالدليل الشرعي ، وأحد الأدلة الأربعة في مقام الاستنباط.
2-الإجماع المدركي.. وهو الإجماع الحاصل بسبب نص روائي موجود وقد فهم الفقهاء منه حكماً معيناً، ويسمونه الفقهاء بالإجماع المدركي.
وهذا الإجماع ليس دليلاً شرعياً، يعني هذا الإجماع ليس حجة على الفقيه المجتهد، لأن المجتهد في هذا المقام يحتاج لأن ينظر في النص ويجتهد على طبق النص لا على طبق الإجماع لأن هذه الفقيه واحد من هؤلاء الفقهاء فله نظرته الخاصة للناص حسب قواعد يعتمد عليها وقرائن قد يراها هو لم يرها الفقهاء الذين من قبله.
وفي أصول الفقه عندهم قاعدة، لو أنه كان عندنا إجماع في فتوى معينة فيجب أن ننظر إلى هذا الإجماع، إن كان إجماعاً لبياً فهو حجة على الفقيه ولا يمكنه أن يفتي على خلافه. وإن كان إجماعاً مدركياً معتمداً على وجود نص بالخصوص فليس حجة على الفقيه وإنما يرجع الفقيه إلى النص وليس بحاجة للإجماع، ويفتي على طبق دراسته للنص.
ولو اشتبه على الفقيه، ولم يعلم بأن هذه الإجماع هو مدركي أو لبي، فمجرد احتمال المدركية في هذا الإجماع يسقط عن الحجية
أمثل لك بمثال
عندما إجماع على حرمة حلق اللحية مثلاً، وعندنا نصوص أيضاً في حرمة حلق اللحية لكنها ليست نصاً صريحاً في الحرمة وإنما بعد التأمل في النص يجد الفقيه بأن ظاهرها يدل على الحرمة.
وجاء الفقيه ونظر في هذا الإجماع ولم يعلم هل هو لبي أو مدركي، وبعد مراجعة الروايات وجد بأنه يحتمل أن الفقهاء قد اعتمدوا على فهم هذه النصوص في الفتوى، لأن النصوص موجودة، فيقول الفقيه بأن هذا الإجماع محتمل المدركية فلا يدخل في باب الدليل الشرعي، وهو ليس حجة علي.
وفي هذه الحالة يرجع الفقيه إلى الروايات التي استفاد منها الفقهاء حرمة حلق اللحية، فإن وجد بأنها تدل علىالحرمة يفتي على طبقها وإن وجد بأنها لا تدل على الحرمة بعد دراسة فقهية واسعة للنص مع دراسة القرائن والقواعد فيفتي بعدم الحرمة.
لذلك تجد مثلاً فتوى السيد الخوئي رحمه الله وغيره من الفقهاء في حرمة حلق اللحية هي فتوى (بالإحتياط الوجوبي) لأن الدليل لم يظهر عنده بأنه يدل على الحرمة. فاحتاط في الفتوى.
والاجماعات لو نظرنا إليها في مقام الاجتهاد نجد أنه نادراً ما نحصل على اجتماع لبي يدخل في الدليل الشرعي، وإنما جل الإجماعات المدعاة إما إجماعات مدركية فهي ليست حجة على الفقيه، وإما إجماعات محتملة المدركية فتسقط عن الحجية أيضاً.
أرجو أن يكون جوابي واضحاً لما تريد الوصول إليه.